تعريف الصُّحْبَة
الصحبة فى اللغة : الملازمة والمرافقة والمعاشرة، يقال : صَحبه يصحبه صُحبة، وصحابة بالفتح وبالكسر : عاشره ورافقه ولازمه، وفى الحديث : خرجتُ أبتغى الصحابة إلى رسول ــالله صلى الله عليه وسلم . والصَّحَابىّ : من لقى النبى ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ مؤمناً به ومات على الإسلام، وجمعها صحابة.
ما تثبت به الصُّحْبَة .
اختلف أهلُ العلم فيما تثبت به الصُحبة، وفى مستحق اسم الصحابى، فقال بعضهم : ( إن الصحابى من لقى النبى ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ مؤمنا به، ومات على الإسلام ) .. وعلق ابن حجر العسقلانى بقوله : ( هذا أصح ما وقفتُ عليه فى ذلك ) .
عدالة من ثبتت صحبته .
اتفق أهلُ العلمِ على أن جميع الصحابة عدول، وهذه الخصيصة للصحابة بأسرهم، ولا يُسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه شرعاً، لكونهم على الإطلاق معدلين بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم بنصوص القرآن . وعدالة الصحابة فى الإسلام من مسائل العقيدة القطعية، أو مما هو معلوم من الدين بالضرورة، ويستدل العلماء على ذلك بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة .
قال الله عز وجل : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً }الفتح:18 .. يقول أهل العلم : فهذه الآية ظاهرة الدلالة على تزكية الله لهم، تزكية لا يخبر بها، ولا يقدر عليها إلا الله .. وهي تزكية بواطنهم وما في قلوبهم، ومن هنا رضي عنهم .. ( ومن رضي عنه تعالى لا يمكن موته على الكفر؛ لأن العبرة بالوفاة على الإسلام .. فلا يقع الرضا منه تعالى إلا على من علم موته على الإسلام ) .. والرضا من الله صفة قديمة، و من رضي الله عنه لم يسخط عليه أبداً، فكل من أخبر الله عنه أنه رضي عنه فإنه من أهل الجنة .. قال ابن حزم : ( فمن أخبرنا الله عز وجل أنه علم ما في قلوبهم، ورضي عنهم، وأنزل السكينة عليهم، فلا يحل لأحد التوقف في أمرهم أو الشك فيهم البتة ) .
والآية : قوله تعالى : { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم رُكعاً سُجدا يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مَثَلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سُوقه يُعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً} سورة الفتح: 29 .. فمن أغاظه الصحابة، فليراجع دينه، فالآية صريحة وواضحة .
وقال تعالى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أمَّةٍ أخْرِجَت للنّاس ) .. واتفق المفسرون على أن الآية، واردة فى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال تعالى : ( وَكَذلِك جَعَلنَاكُم أمَّةً وَسَطا لِتَكُونوا شُهَدَاء عَلى النّاسِ ) .لا: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم) (100) التوبة : (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم) (117) التوبة
لا يختلف اثنان أن كبار الصحابة من أمثال الخلفاء الراشدين والمهاجرين والأنصار، أنهم أول من شملتهم هذه الآيات الكريمة، فضلاً عن بقية الصحابة وعددهم ثلاثين ألفاً .. فالسابقون الأولون مشهورون ومعروفة أسمائهم ولا يجهلهم أحد، وقد نصّ القرآن على أن الله قد رضي عنهم وبشرهم بالجنة، فكيف نترك كلام الله ونستمع لمن في قلبه مرض، من الذين يريدون لنا أن نبغض من أحبهم الله، ونتهجم عليهم ؟ .
: (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) (9) الحشر : (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم) (218) البقرة : (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب) (195) آل عمران : (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون) (20) التوبة
أدلة عدالة الصحابة من السنة المطهرة
قال صلى الله عليه وسلم : " الله ، الله فى أصحابى، لا تتخذوهم غرضا بعدى، فمن أحبهم، فبحبى أحبهم، ومن أبغضهم فببغضى أبغضهم، ومن آذاهم فقد أذانى، ومن أذانى فقد أذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه " . والحديث : عن أبي سعيد الخدرى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا أحداً من أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل اُحُد ذهباً ما أدرك مُد أحدِهم ولا نصِيفَه " رواه البخاري .
قال ابن تيمية وكذلك قال الإمام أحمد وغيره : كل من صحب النبي صلى الله عليه وسلم سنة أو شهراً أو يوماً أو رآه مؤمناً به، فهو من أصحابه، له من الصحبة بقدر ذلك . والحديث : قال صلى الله عليه وسلم لعمر: " وما يدريك، لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " صحيح البخاري . وقال ابن القيم : إن هذا الخطاب لقوم قد علم الله سبحانه أنهم لا يفارقون دينهم، بل يموتون على الإسلام، وأنهم قد يقارفون بعض ما يقارفه غيرهم من الذنوب، ولكن لا يتركهم سبحانه مصرين عليها، بل يوفقهم لتوبة نصوح واستغفار وحسنات تمحو أثر ذلك، ويكون تخصيصهم بهذا دون غيرهم؛ لأنه قد تحقق ذلك فيهم، وأنهم مغفور لهم .
والحديث : عن عمران بن الحصين رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذيم يلونهم " .. قال عمران : فلا أدري؛ أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثا . والحديث : عن أبي موسى الأشعري، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : " النجوم أمَنةٌ للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون، وأنا أمَنَةٌ لأصحابي، فإذا ذهبت أنا أتى أصحابي ما يُوعَدُون، وأصحابي أمَنَةٌ لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يُوعَدُون " صحيح مسلم . والحديث : عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أكرموا أصحابي؛ فإنهم خياركم " رواه الإمام أحمد، والنسائي، والحاكم بسند صحيح . والحديث : عن واثلة يرفعه : " لا تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصحبني، والله لا تزالون بخير ما دام فيكم من رأي من رآني وصاحبني " رواه ابن أبي شيبة . والحديث : عن انس رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الانصار " .. وقال في الأنصار كذلك : " لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق " .. وهناك أحاديث أخرى ظاهرة الدلالة على فضلهم بالجملة . أما فضائلهم على التفصيل فكثيرة جدا .
بل كل إمام من أئمة المسلمين حينما يذكر عقيدته ولو فى ورقة واحدة أو أقل، لا بد وأن يشير إلى قضية الصحابة؛ إما من جهة فضلهم، أو فضل الخلفاء الرشدين، أو من جهة عدالتهم، والنهى عن سبهم والطعن فيهم، أو الإشارة إلى الكف والإمساك عما شجر بينهم من خلاف ونحوه .
وقال ابن الصلاح : ( ثم إن الأمة مجمعة، على تعديل ــــ أى الحكم بعدالتهم ــــ جميع الصحابة، ومن لابس الفتن منهم فكذلك، بإجماع العلماء الذين يعتد بهم فى الإجماع، إحسانا للظن بهم، ونظراً إلى ما تمهد لهم من المآثر، وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة، وجميع ما ذكرنا يقتضى القطع بتعديلهم، ولا يحتاجون مع تعديل الله ورسوله لهم إلى تعديل أحد من الناس .
ونقل ابن حجر عن الخطيب البغدادى فى كتابه (الكفاية) : أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شىء مما ذكرناه لأوجبت الحالُ التى كانوا عليها من الهجرة، والجهاد، ونصرة الإسلام، وبذل المهج والأموال، والمناصحة فى الدين، وقوة الإيمان واليقين : القطع بتعديلهم، والاعتقاد بنزاهتهم، وأنهم كافة أفضل من جميع الخالفين بعدهم والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم . ثم قال هذا مذهب كافة العلماء، ومن يُعتمد قوله، وروى بسنده إلى أبي زرعة الرازى قال إذا رأيتَ الرجلَ ينتقصُ أحداً من أصحاب رسول الله ــــ صلى الله عليه وسلم ـــ فاعلم أنه زنديق ) ... .. ذلك أن الرسول ـــــ صلى الله عليه وسلم ـــــ حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا، ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة) .
نستنتج من العرض السابق للآيات والأحاديث في مناقب الصحابة ما يلي :
أولاً: إن الله عز وجل زكى ظاهرهم وباطنهم؛ فمن تزكية ظواهرهم وصفهم بأعظم الأخلاق الحميدة، ومنها: {أشداء على الكفار رحماء بينهم} (الفتح/29). {وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون} (الحشر/9). {ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} (الحشر/10) .
أما بواطنهم، فأمر اختص به الله عز وجل، وهو وحده العليم بذات الصدور .. فقد أخبرنا عز وجل بصدق بواطنهم وصلاح نياتهم؛ فقال على سبيل المثال: {فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم} (الفتح/18). {يحبون من هاجر إليهم} (التوبة/177). {يبتغون فضلاً من الله ورضواناً} (الفتح/9). {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} (التوبة/117).. فقد تاب عليهم سبحانه وتعالى؛ لما علم صدق نياتهم وصدق توبتهم. والتوبة عمل قلبي كما هو معلوم .
ثانياً: بسبب توفيق الله عز وجل لهم لأعظم خلال الخير ظاهراً وباطناً أخبرنا أنه رضي عنهم وتاب عليهم، ووعدهم الحسنى .
ثالثاً: وبسبب كل ما سبق أمرنا بالاستغفار لهم، وأمر النبيُ -صلى الله عليه وسلم- بإكرامهم، وحفظ حقوقهم، ومحبتهم .. ونُهينا عن سبهم وبغضهم .. بل جعل حبهم من علامات الإيمان، وبغضهم من علامات النفاق .
رابعاً: ومن الطبيعي بعد ذلك كله أن يكونوا خير القرون، وأماناً لهذه الأمة .. ومن ثم يكون اقتداء الأمة بهم واجباً، بل هو الطريق الوحيد إلى الجنة : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي " رواه أحمد وأصحاب السنن والدارمي.
منزلة الصحابة لا يعادلها شيء
وصل الله على ىسيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم